حملة ضد الهجرة.. كيف تسببت سياسات ترامب في أزمة عمالية تهدد الاقتصاد الأمريكي؟

حملة ضد الهجرة.. كيف تسببت سياسات ترامب في أزمة عمالية تهدد الاقتصاد الأمريكي؟
عمالة مهاجرة في الولايات المتحدة

في قلب الولايات المتحدة، يبرز ملف الهجرة كأحد أكثر الملفات سخونة وإثارة للجدل، فقد عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي بنى جزءًا كبيرًا من شعبيته على شعارات مثل "أمريكا أولًا"، في ولايته الثانية ليشن حملة عدائية متجددة ضد المهاجرين، هذه الحملة لا تقتصر على التصريحات النارية والخطابات الحماسية، بل تتجسد في سياسات صارمة أدت إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية عميقة، كان ضحيتها الأولى مئات الآلاف من العمال المهاجرين وأسرهم.

الهجرة لم تكن مجرد قضية سياسية في أمريكا، بل كانت شريان حياة أساسيًا لاقتصادها، وفقًا لتقارير وزارة العمل الأمريكية، يشغل المهاجرون ما يقرب من 17% من مجمل الوظائف في قطاعات استراتيجية مثل الزراعة، البناء، الضيافة، والرعاية الصحية، لكن حملة ترامب ركزت على تقييد هذه الهجرة بشكل غير مسبوق، عبر إغلاق برامج أساسية مثل "الإفراج المشروط للكوبيين والهايتيين والنيكاراغويين والفنزويليين"، إلى جانب تهديد الوضع القانوني لمئات الآلاف من حاملي تصاريح الحماية المؤقتة.

ترافقت هذه السياسات في عهد الرئيس دونالد ترامب مع تشديد عمليات الاعتقال اليومي للمهاجرين، حتى وصل الأمر إلى تخصيص حصة يومية قدّرها مراقبون بنحو 3000 اعتقال، والنتيجة كانت واضحة ممثلة في نزيف في سوق العمل الأمريكي ونقص في العمالة، لا سيما في قطاعات تعتمد أساسًا على المهاجرين، وهي وظائف غالبًا ما يعزف المواطنون الأمريكيون عن شَغلها.

من أرض المصانع

في مصنع جنرال إلكتريك للأجهزة المنزلية في لويزفيل، كنتاكي، اضطر أكثر من 125 عاملاً إلى ترك وظائفهم فجأة بسبب إلغاء برامجهم القانونية، وهو ما تسبب في فوضى وإرباك في خطوط الإنتاج، فقد وصفت جيس ريس، عاملة ومنظمة نقابية، المشهد قائلة: "اختفاء مئات العمال فجأةً ليس أمرًا هيّنًا.. إنه يهدد استقرار العمل بأكمله" وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وفي مصنع كرافت-هاينز في ميشيغان، ازدادت ساعات العمل الإضافية بشكل مرهق لتعويض غياب العمال المهاجرين. 

يروي توماس توريس، ميكانيكي صيانة ورئيس فرع نقابي، كيف تسببت هذه الأزمة في إنهاك العمال لدرجة أن بعضهم كان ينام على خطوط الإنتاج، ما يمثل خطرًا جسيمًا على سلامتهم، ورغم نفي الشركة الرسمي لتأثرها بنقص العمالة، إلا أن شهادات العاملين تكشف الحقيقة الميدانية الصادمة.

تداعيات تتجاوز العمال

تؤكد الدراسات الاقتصادية حجم الفجوة التي خلّفتها سياسات الرئيس ترامب، فقدّر "معهد السياسة الاقتصادية" أن ترحيل أربعة ملايين مهاجر قد يؤدي إلى فقدان نحو 3.3 مليون وظيفة يشغلها مهاجرون، إضافة إلى 2.6 مليون وظيفة أخرى يشغلها أمريكيون مولودون في البلاد، وهو ما يعني تأثيرًا واسع النطاق على الاقتصاد الكلي الأمريكي.

كما أظهر تقرير لمعهد أميركان إنتربرايز (وهو مركز أبحاث محافظ) أن هذه السياسات قد تؤدي لأول مرة منذ عقود إلى هجرة صافية سلبية، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تصل إلى 0.4%، أي ما يقارب 94 مليار دولار سنويًا، أرقام صادمة تكشف الثمن الباهظ للرهان السياسي على تقييد الهجرة.

وراء هذه الإحصاءات الباردة، قصص بشرية مؤلمة لعائلات فقدت استقرارها وأحلامها، تقول ماريا خوسيه بادمور، موظفة خدمات إنسانية في ولاية فيرجينيا: "في يوم ما كان زميلي هنا، وفي اليوم التالي اختفى.. نفكر في عائلته كيف سيؤمنون لقمة عيشهم؟".

هذه القصص تعكس البعد الإنساني للأزمة، حيث لا يتعرض العمال المهاجرون وحدهم للضرر، بل يمتد الأثر إلى زوجاتهم وأبنائهم ومجتمعاتهم بأكملها، وتؤكد غوين ميلز، رئيسة نقابة "يونايت هير"، أن "الضغط على المهاجرين يضر بعائلاتنا، ومجتمعاتنا، ونسيج الاقتصاد الأميركي كله".

جدل حقوقي محتدم

واجهت حملة الرئيس دونالد ترامب معارضة قوية من منظمات حقوق الإنسان، فقد انتقدت منظمة اللاجئين الدولية، وغيرها من الهيئات الأممية، هذه السياسات باعتبارها تمثل انتهاكًا صارخًا للحق في العمل والحياة الكريمة، وهددت بتقويض التزامات أمريكا الدولية في حماية المهاجرين.

في المقابل، دافعت إدارة ترامب عن موقفها بالقول إن هذه الإجراءات ضرورية لحماية "العمالة الأمريكية"، لكن الواقع على الأرض، وفق تقارير الصحف الاقتصادية والمنظمات النقابية، يثبت عكس ذلك تمامًا، إذ أضرّت سياسات الهجرة حتى بالمواطنين الأمريكيين عبر زيادة ساعات العمل القاسية وتراجع الإنتاجية.

وظلت الهجرة دائمًا محورًا شائكًا في السياسة الأمريكية، يتأرجح بين الانفتاح في أوقات الازدهار والتضييق في فترات الأزمات، في أوائل القرن العشرين، ساهم ملايين المهاجرين في بناء المصانع الأمريكية، ولاحقًا، شهدت البلاد فترات تشديد مثل "قانون الكوتا" في العشرينيات، واليوم، تجد أمريكا نفسها في حلقة جديدة من هذا الجدل التاريخي، مع سياسات تثير مخاوف من تكرار أخطاء الماضي.

وسط هذا المشهد القاتم، يبرز الأمل في تضامن العمال، بغض النظر عن جنسياتهم. يقول جيمي ويليامز، رئيس الاتحاد الدولي للرسامين: "الهجرة ليست قضية مهاجرين فقط، إنها قضية كل عامل، الأهداف مشتركة تتجسد في حياة كريمة، أجور عادلة، وأمان وظيفي".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية